تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
فيروس كورونا وإمكانية تغير ملامح العلاقات الدولية!!

مقال رأي 

د. سبتي سيف الدين / باحث سياسي وأكاديمي

  تسعى أكبر قوة إقتصادية عالمية من خلال ضغوطات غير عادية لرئيسها، دونالد ترامب، على القطاع الخاص مع القطاع العام، لتعويض الخسارة الإقتصادية الفادحة وخسارة الأرواح و البطالة الكبيرة (22 مليون عاطل)، التي لطالما تغنت بها أمريكا، من خلال تصنيع أكبر عدد ممكن من أجهزة التنفس والكمامات والمواد المضادة للفيروسات، لتعوض بعض التراجع في الإقتصاد و الإنكماش وحتى التهاوي الدولي، ومن الممكن أن تفرض بيعها لهذه الأجهزة بالقوة الناعمة لبعض الدول مع إعطاء بعض الوعود أو التسهيلات المستقبلية، كالتحالفات الإستراتيجية (مصر - الكيان الصهيوني)، والعجيب في الأمر أن مصر أرسلت طائرة عسكرية طراز س130 محملة بإمدادات طبية وفق جريدة "واشنطن بوست"، في أمر محير، بينما تفرض على شعبها الضرائب لشراء الأدوية، و حتى في إجلاء رعاياها، فرضت عليهم تسديد مبالغ التأشيرة والطائرة، والحماية العسكرية (العراق - السعودية..)، والإصلاح الدبلوماسي (المكسيك).

  الرئيس الأمريكي لا يفعل هذا من أجل أمريكا كما يزعم، بل لبقائه على كرسي العرش وفق نرجسية قاتلة لا يمكن التخلي عليها، أما فكره البراغماتي يقوده إلى إتخاذ قرارات جد متسرعة، مثل إمكانية فتح جزء من الإقتصاد وفتح العمل في بعض الولايات، ومجابهة الحكام، مما سيؤثر سلبا على أداء الكونغرس و زيادة الصراع الخفي الظاهر بين الجمهوريين والديمقراطيين، وكذا التصرف الغير ناضج في اتهامه للمنظمة العالمية للصحة بإنحيازها للصين وعدم ممارسة أعمالها بدقة وإتهامها بأن الفيروس لا ينتقل بسرعة بين البشر، وقطع التمويل السنوي عنها (500 مليون دولار)، وفي تصريح ذكي أنه لن يدفع المواطن الأمريكي الضرائب لكي تعبث بها المنظمة، فهي عبارة عن مراوغات سياسية، لكن هناك من يقرأ بين الأسطر، فالإنتخابات الرئاسية ليست ببعيدة و يجب إلقاء اللوم على الجميع إلا على "ترامب" لمواصلة قيادته لأمركيا، وهناك من يرجح أنه قد يلجأ لأعذار أخرى حتى يستعمل أداة أخيرة وهي إعلان الطوارئ العامة، ومن خلالها سيبقى وتلغى الإنتخابات حتى إشعار لاحق.

  أما فيما يخص الإتحاد الأوربي فهو أكثر معاناة، بحيث صرح صندوق النقد الدولي أنه سيكون إنكماش إقتصادي عالمي أكثر حدة على القارة العجوز ب 7.5 بالمائة هذه السنة، بحيث لم تعرفة الدول الأوروبية منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، مقارنة بالصين، بركود إقتصادي بنسبة 1.7 بالمائة، وانكماش إقتصادي عالمي بنسبة 3 بالمائة.

  ولقد صرحت مفوضية إقتصاديات الاتحاد الأوروبي أنه سيكون ركود غير عادي بالنسبة لبعض الدول، على غرار إسبانيا وإيطاليا، والغريب أن ألمانيا وفرنسا قد يصلان إلى 11 بالمائة بطالة أي 60 مليون عاطل، مما جعل أغلب الدول الأوروبية تتسارع لكبح جماح هذا الفيروس الخطير وتقوم باقتراح أطلقته إيطاليا لإنشاء سندات أو إقتراض جماعي، من خلال المساهمة في صندوق موحد يصرف على الدول الأكثر تضررا.

  وحتى بريطانيا لم تتمكن إلا بإعانة 4 ملايين مواطن بتغطية شاملة بدعم مباشر من طرف الحكومة، والباقي تؤطره الجمعيات والمنظمات، منها حتى العربية والتي تنشط بشكل لافت للإنتباه، على غرار "مؤسسة الدعم العربي للمجتمعات".

  من الممكن أن يتعثر الإتحاد الأوروبي حسب بعض الخبراء، و هذا سيكون إما بصراع حول من سيكون الأكثر تضررا من الفيروس ومن يستحق أكثر دعم مالي وإما طلب بعض الدول بضغوطات جماهيرية أو لوبيات ومجتمعات مدنية وحتى من بعض الأحزاب القوية للخروج من الإتحاد الأوربي، لكن مع استفتاء شعبي لضمان الحقوق و الحريات.

  ومن الممكن أن يعجز الإتحاد عن تمويل كل الدول المتضررة والمحددة بتمويل حد أدنى ب 1.5 تريليون أورو، في حين يجب على الدول الأقل تضررا أن تشكل تكتل مجابه ويطلق عليه بالتكتل الشرقي أو الجديد، بقيادة الصين المتعافية وروسيا وحتى محاولة ضم تركيا مع دول المغرب العربي بقيادة الجزائر كقوة إقليمية صاعدة، وكذا تونس والمغرب، والتركيز على مايسمى طريق الحرير واستغلال المركز الإستراتيجي للجزائر وتشكيل معبر يضمن الحركة التجارية الواسعة و تنظيم مسار السفن والبضائع وفرض رسوم للعبور.

  كما يمكن تشكيل تكتل جزائري مع موريطانيا والصحراء الغربية والنيجر ومالي، وإنشاء أسواق تبادلية أو صحراوية و موانيء جافة.

  الوقت متاح رغم المجابهة العامة للفيروس، لكنه النقطة البيضاء لعبور النفق المظلم، فيجب رفح التحدي الآن وتشكيل التكتل العميق بين الدول المذكورة ومن الممكن أن تتغير الموازين الإقليمية الدولية من الغرب إلى الشرق. 

التعليقات

إضافة تعليق جديد